الزفاف الأسود

هل هو من الطبيعي أن يكون لكل شاب وشابه في مرحلة ما في هذه الحياة زفاف ! إن كان الزفاف شيء طبيعي فالفرح والزهور الحمراء والبيضاء وسعادة الأهل والناس الحاضرين واجتماعهم على الفرح هي من علامات الزفاف السعيد. ولكن الزفاف الأسود هو الزفاف البعيد كل البعد عن أمر يعكس مظاهر السعادة. فالمشاكل الأسرية, الزواج المفروض على أحد الطرفين أو كلاهما أي الزوج والزوجة قد يجعل من الزفاف رماديا أو يكون أحمراُ أو أبيضاُ ولكن لن يكون أسوداً.

نور عاشت حياتها سعيدة في محيط عائلي تعلمت منه معني السعادة والحب بشكل مميز ومثالي ومع مرور الزمن أصبحت نور منبع من منابع الحب والسعادة والروح في وبين أهلها. أصبحت القلب النابض لهم الذي كان يمدهم بحاجتهم من السعادة والحب.

جاء اليوم الذي كتب الله فيه على نور أن تخطو الخطوة الأولى في حياتها الزوجية وذلك بالموافقة على شاب تقدم إلى خطبتها أحست بأنه سوف يكون الرجل الأقرب إلى قلبها وعقلها. إحساسها هذا جعلها تضع وترسم وتبني الكثير من الأحلام في خيالها إلى درجة أنها كانت تحلم بتفاصيل التفاصيل وكيفية تحقيقها مع الشاب الذي أحبته، هذا الشاب الذي لم يخفي أي نوع من أنواع الحب والحنان عنها مما جعل من نور تحبه بعقلها وقلبها وكل جزء منها.

حبهما هذا لم يكن حباً طبيعياً قد يكون أسطورياً ولكن الكتابة تعجز عن وصف هذا الحب. هل أخطأ بهذا الحب لا أتوقع بل هم قاموا بما يجب أن يفعله أي زوجين. ولكن هل نور مع خطيبها كانا يعلما ما كتب لهما القدر فقد كان قدرهما الذي يفكران فيه هو أحلامها التي تكون عادة ذا لون غير الأسود أي الأحلام السعيدة. ولو كانا يعلمان أن قدرهما سوف يكون أسود هل علاقتهم اختلفت ، لا أتوقع ذلك.

بعد مرور فترة على خطبتهما وقرب يوم زفافهما واكتمال الاستعدادات إلى يوم الزفاف ما كان من نور إلا ترتيب أحلامها من جديد والاستعداد إلى تحقيقها وكان أولها الزفاف. فما كان من نور إلا أن تستعد إلى يوم زفافها كأي بنت تتزوج وهي تريد أن تصبح في هذا اليوم جميلة كالقمر في منتصف الشهر والشمس في متصف اليوم. ولكن القدر هو القدر والاحلام يجب أن تتغير مع الواقع الذي يكون عقبة أمام الأحلام في بعض الأحيان. نور توقف جميع أحلامها في يوم زفافها وتستفيق من غيبوبة في المستشفى بعد ثلاثة أيام من زفافها. تجد نور نفسها في المستشفى وكل أهلها حولها لتسألهم بكل حرقه وبكاء وهي تحت تأثير الأدوية ماذا حصل؟! هل ما حصل حقيقة أم خيال؟!.

نعم, ما حصل هو واقع وليس خيال ، الزفاف أصبح زفافاُ أسوداً فلقد توفي خطيب نور بحادث وهو قادماً لها بالسيارة لكي يأخذها إلى بيتهما كي يحققا أول حلم مشترك بينهما. نور انهارت بعد سماع الخبر ونقلت إلى المستشفى فانقلبت الورود من ورود الفرح إلى ورود الحزن ، وأنوار الزينة تم إطفائها مما اظلم المكان والسعادة إلى بكاء وعويل.

نور في حالت انهيار وحالتها تسوء يوماً بعد يوم أكثر فأكثر فما هو الحل؟ كيف يجد من حولها الحل وهل تحول أحلامها من أحلام سعيدة إلى أحلام سوداء سوف تصعب عملية إيجاد الحل!.

بعد مرور ثلاثون يوماً خرجت نور من المستشفى ولكن لم تخرج من حالة الفشل واليأس والحزن والكآبة. وأنا لا أستطيع أن أصف الحالة التي كانت نور تعيشها!. مَن حولها أصبح في حزن ويأس والكل يفكر ما هو الحل؟ كيف نخرجها؟ هل ابنتنا نور سوف تعود إلى مثل ما كانت عليه قبل يوم الزفاف الأسود. هذا الحب الأسطوري مع إضافة تحول أحلامها إلى أحلام يأس جعل الكل ييأس من مساعدتها. فما كان من كل من حولها إلا المحاولة. واقترح عليك قبل أن تكمل القراءة بوضع أفكارك التي يمكن من خلالها تغيير واقعها الذي تمر فيه إن أحسست انه يمكن إخراجها. وما لذي سوف يعيد نور إلى نور صاحبة القلب النابض بالسعادة والحب.

طلبت نور من والدها أخذها إلى قبره لكي تزوره الذي أصبح كل شيء بالنسبة لها في هذه الحياة. عند زيارتها الأولى وقعت عند قبره مغماً عليها فنقلت إلى المستشفى ولم تستسلم في كل مرة تذهب إلى زيارته وتقع إلى أن استطاعت أن تقف عند قبره. طلباتها أصبحت غريبة ولكن طلبها في هذه المرة كان الأغرب أبي أريد أن أكون معه أريد أن أعيش بجانب قبره! فما كان رد الأب الغارق في دموعه انه يقول إن لم تستجيبي لي وتتركي القبر وتذهبي معي إلى المنزل لن أسمح لكي بزيارة القبر مرة أخرى فما كان منها إلا الاستجابة إلى تهديد والدها. لم يساعد أخذها إلى زيارة قبره على حل ولو جزء من المشكلة بل وعلى العكس تمنت نور الموت لكي تكون مدفونة بجانبه ( فهي لم تفكر بالانتحار ولكن كما ذكرت إن أحلامها أصبحت سوداء فلقد كانت تطلب من الله تعالى أن يقدر لها الموت).

قدر نور يتغير مع مرور الأيام فتحصل على بعثة دراسية تتطلب منها السفر والدراسة في الخارج. فماذا نتوقع من صاحبة الزفاف الأسود؟! أكيد، السفر والبعد عن المحيط الذي كان يتعامل معها فيه بكل شفقة ورحمة ورأفة ، مما أصابها من ضعف بعد القوة التي كانت تملكها. ولا يكون سراً على القارئ ، كانت هذه فرصة ذهبية لها كي تنفرد بحياتها معه في غربتها فقد كانت صورة خطيبها المتوفى أمامها في كل لحظه وتعيش حياتها وكأنها معه بعيداُ عن الناس.

هل يمكن أن تتخلى نور عن صورته التي تملكها في يوم من الأيام؟ وكيف؟ أنا لا املك الإجابة إلى يوم كتابة القصة ولن أملكها.

القدر يتدخل مرة أخرى ويحاول تغيير واقع نور وما لم يكن موجوداً في أحلامها السوداء بأن يحصل وبشكل صعب جداً أن شاباُ أحبها عندما كانت صغيرة، متزوج وزوجته توفيت ولديه ابناُ منها بأن يطلب الزواج منها من والديها وكان هذا بعد مرور سنتين تقريباُ على موت خطيبها ، فما كان وقع الخبر على من حولها إلا السعادة. قام ولداها بأخبارها فما كانت ردة فعلها إلا ذهابها إلى غرفتها وإغلاقها عليها وإظهار الصورة والبكاء وإني أريد أن أصف حالتها كيف كانت ولكن لا استطيع.

بعد مرور فترة الإجازة عادت نور إلى دراستها مما ساعدها أن تكون بعيده عن والديها، وتفكيرهما في إقناعها بالزواج. أريد أن أذكر هنا شياً من المهم ذكره ، أن نور في كل إجازة لها تذهب إلى زيارة قبره
، وتجدد عهدها معه بأنها له ، وفي المرة الأخيرة التي جاءت بعد إخبار والديها بخطبتها كان تجديد العهد فيها ذا ميزة خاصة لأن نور رأت بوادر تخطيط إلى تغيير ما هي عليه والذي كان غير مقبول لديها.

بعد مرور قرابة الأربعة أشهر من خطبتها بدأت نور تكون أكثر اتزاناُ من ذي قبل في تفكيرها ، وأخذ قلبها ينبض من جديد مرة ثانية ولكن هذا القلب لم يبعد من أحبت وهو خطيبها المتوفى ولم يساعدها في وقتٍ من الأوقات على التفكير في الزواج. و بعد جدال دار مدة ليست بقصيرة ، فكرت نور وطرحت هذه الأسئلة:

هل إذا تزوجت بعد وفاتي سوف أكون مع المرحوم ليس مع زوجي الحالي؟
هل إذا تزوجت لن أكون خائنة إذا تذكرت المرحوم السابق وأنا مع زوجي؟
هل إذا تزوجت لن يكون المرحوم متضايقا؟
هل سوف يسمح لي بأن أتذكره؟

أسئلة لا توجد لها إجابات ولكن نور أدركت انه يجب أن يكون لها هدف في هذه الحياة وكل إنسان يبني حياته بهدف ويكون مقياس النجاح والفشل لكل إنسان في معظم الأحيان مقاس بمدى تحقيق هدفه في الحياة. كان الهدف الذي اختارته نور هو إسعاد والديها ، فقررت أن تبعد عنهما عبئ الحزن وأن تجعلهما سعيدين. هذا يدل على بوادر جيدة ، أن قلبها عاد ينبض بشكل كبير بالسعادة والحب إلى من حولها. اتخذ القرار في ليلة سوداء لم يكون القمر ظاهراً ليشهد هذا القرار ولكنه اتخذ. نور سوف تتزوج وتضحي بكل شيء من أجل والديها لتحقق هدفها في الحياة.

أعلنت نور موافقتها على الزواج ، لم يصدق كل من حولها ، كان الخبر كالصدمة التي يحتاج الإنسان إلى بعض الوقت كي يستوعب ماذا تعني. وبعد مرور الوقت تزوجت نور وكانت سعيدة في حياتها مع طفلة من زوجته الأولى الذي كان يمثل لها جزء من تضحيتها بموافقتها على الزواج لكي تربيه وتكون أما له. نور رزقت بطفلة - ما شاء الله - وهي الآن سعيدة في حياتها وتحولت أحلامها إلى أحلام من ذي اللون الغير أسود.

يكون هدف الناس في هذه الحياة أحد أسرار فشل أو نجاح حياتهم. الكثير من الناس في هذه الأيام لا يكون لديهم هدف ، مما يجعل حياتهم صعبة وفي ضياع ، في معظم الأحيان. نور اختارت هدفها الذي كان هدفاُ شريفاُ من إنسانة عاشت حياة صعبه وهو سعادة الوالدين ، وهو سر نجاح كثير من الأبناء الذين يكون هذا هدفهم